هااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااي
ما هو مفهوم الايمان
في نظركوم
جاوبوني
انا رح اقول
لكم
أصل الإيمان : الإذعان إلى الحقِّ على سبيل التصديق له واليقين. ولكنه صار اسماً لشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم . واختلفوا في مسمى الإيمان في العرف الشرعي .
فقد ذهب المعتزلة والخوارج والزيدية وأهل الحديث إلى أنّ الإيمان اسم لأفعال القلوب والجوارح مع الإقرار باللسان . وأنّ الإيمان يتناول طاعة الله ومعرفته مع ما جعل الله تعالى عليه دليلاً عقلياً أو نقلياً في الكتاب والسُنّة المطهّرة . وأنّ الإخلال بواحد من هذه الأمور كفرٌ .
وذهب أبو حنيفة والاَشعري إلى أنّ الإيمان يحصل بالقلب واللسان معاً. وهناك فريق ثالث يرى أنّ الإيمان عبارة عن الاعتقاد بالقلب فقط . وتبلور عنه اتجاه يحصر الإيمان في نطاق ضيق هو معرفة الله بالقلب حتى أنّ من عرف الله ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يقرّ به فهو مؤمن كامل الإيمان . وبالمقابل برز فريق رابع يرى أنّ الإيمان ـ حصراً ـ هو الاِقرار باللسان فقط .
وتبلور عنه إتجاه يرى أنّ الإيمان هو إقرار باللسان ولكن بشرط حصول المعرفة في القلب . ولكن التدبر في آيات القرآن الكريم يكشف حقيقة أُخرى للاِيمان بعيدة عن كلِّ ما تقدم ، وهي أنّ الإيمان ليس مجرد العلم بالشيء والجزم بكونه حقاً ، لاَنَّ الذين تبين لهم الهدى لم يردعهم ذلك عن الارتداد على أدبارهم ولم يمنعهم من الكفر والصد عن سبيل الله ومشاققة الرسول كما في قوله تعالى : ( إنَّ الَّذين ارتَدُّوا على ادبارِهم مِنْ بَعدِ ما تَبينَ لهَمُ الهُدى... إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وصَدَّوا عَن سَبِيلِ اللهِ وشَاقُّوا الرسُولَ مِن بَعدِ ما تَبيَنَ لهُم الهُدى ) ومنهم من أضله الله على علم .
فالعلم إذن لا يكفي وحده في المقام ما لم يكن هناك نوع التزام بمقتضاه وعقد القلب على مؤداه بحيث تترتب عليه آثاره ولو في الجملة .ومن هنا يظهر بطلان ما قيل : أنّ الإيمان هو العمل ، وذلك لاَنّ العمل يجامع النفاق ، فالمنافق له عمل ، وربما كان ممن ظهر له الحق ظهوراً علمياً، ولا إيمان له على أي حال .
وفي هذا الخصوص ، وردت أحاديث كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام تعكس التصور الإيماني الصحيح وفق نظرة شمولية ترى أنّ الإيمان هو عقد بالقلب وقول باللِّسان وعمل بالأركان . سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الإيمان ، فقال : « الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان » .
وقال الإمام الباقر عليه السلام في معرض تفريقه بين الإسلام والإيمان : « الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل »
ويؤكد الإمام الصادق عليه السلام على قاعدة التلازم بين القول والعمل في تحقق مفهوم الإيمان ، فيقول : « ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن الإيمان ما خلص في القلوب وصدّقته الأعمال » .
وعن سلام الجعفي قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الإيمان فقال : « الإيمان أن يطاع الله فلا يعصى » .
ويتضح من خلال تلك الأحاديث ونظائرها أنّ أهل البيت عليهم السلام قد رفضوا كون الإيمان مجرد إقرار باللسان ، أو اعتقاد بالقلب ، أو بهما معاً ؛ لأنه فهم سطحي قاصر ، إذ هكذا إيمان لا روح فيه ولا حياة ، ما لم يقترن بالطاعة المطلقة لله وتنفيذ ما أمر والنهي عما زجر كل ذلك في دائرة الوعي والسلوك والعمل .
هذا ، وتبلغ دائرة الإيمان أقصى إتساع لها في جواب الإمام الصادق عليه السلام على سؤال عجلان أبي صالح عندما سأله عن حدود الإيمان ، فقال عليه السلام : « شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنَّ محمداً رسول الله ، والاِقرار بما جاء به من عند الله ، وصلاة الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدّونا ، والدخول مع الصادقين » .
وهكذا نجد أنّ مفهوم الإيمان في مدرسة أهل البيت عليهم السلام يتجاوز دائرة الاعتقاد المنسلخ عن السلوك ، ويرتكز على رؤية موحدة ومترابطة تذهب إلى أنّ الاعتقاد القلبي متقدم رتبياً على الإقرار اللفظي ، ولا بدَّ من أن يتجسد هذا الاعتقاد وذلك الإقرار إلى سلوك سوي .
ثم إنّ كلّ تفكيك بين الإيمان وبين العمل يفتح الباب على مصراعيه أمام النفاق والمظاهر الخادعة والدعاوى الباطلة . وعلى هذا الأساس قال الإمام الصادق عليه السلام : « الكفر إقرارٌ من العبد فلا يُكلف بعد إقراره ببيّنة ، والإيمان دعوى لايجوز إلا ببيّنة وبينته عمله ونيته » .
فالإمام عليه السلام في هذا الحديث يضع ميزاناً دقيقاً للإيمان يرتكز في أحد كفتيه على الباطن الذي تعكسه نية الفرد وانعقاد قلبه على الإيمان ، وفي الكفة الأخرى يرتكز على الظاهر الذي يتمثل بعمله وسلوكه السوي الذين يكونا كمرآة صافية لتلك النية .ومن هنا يؤكد الأئمة عليهم السلام على أنّ الإيمان كل لا يتجزأ ، ويرتكز على ثلاث مقومات : الاعتقاد والإقرار والعمل .
فعن أبي الصلت الهروي ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن الإيمان ، فقال عليه السلام : « الإيمان عقد بالقلب ولفظ باللسان ، وعمل بالجوارح ، ولا يكون الإيمان إلاّ هكذا » .
تأمل جيداً في العبارة الأخيرة من الحديث « ... ولا يكون الإيمان إلاّ هكذا » فهي خير شاهد على النظرة الشمولية غير التجزيئية للإيمان التي تتبناها مدرسة أهل البيت عليهم السلام .
ولم تنطلق تلك النظرة من فراغ ، أو جرّاء التأثر بالمدارس الكلامية ، وإنما هي ربانية التلقي نبوية التوجيه ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « الإيمان والعمل شريكان في قرن ، لا يقبل الله تعالى أحدهما إلاّ بصاحبه » .
ثم أنّ هذه النظرة الشمولية للإيمان ـ بمقوماتها الثلاثة ـ تستقي من منابع قرآنية صافية ، يقول العلاّمة الراغب الأصفهاني : « والإيمان يُستعمل تارة اسماً للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام وعلى ذلك : ( إنَّ الَّذينَ آمنُوا والَّذين هادُوا والصّابئينَ ) ويُوصف به كلُّ من دخل في شريعته مُقراً بالله وبنبوَّته ، قيل وعلى هذا قال تعالى : ( وما يؤمِنُ أكثرهُمُ باللهِ إلاّ وهُم مُشرِكُونَ ) وتارةً يستعمل على سبيل المدح ويُراد به إذعانُ النَّفس للحقِّ
على سبيل التصديق وذلك باجتماع ثلاثة أشياء : تحقيقٌ بالقلب ، وإقرار باللِّسان ، وعمل بحسب ذلك بالجوارح ، وعلى هذا قوله : ( والَّذينَ آمنُوا باللهِ ورُسُلهِ أولئكَ هُمُ الصِدِّيقُونَ ) .
وإن قال قائل : إنَّ الله سبحانه قال : ( والَّذينَ آمنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أولئِكَ أصحابُ الجَنَّةِ ) والعطف دليل التغاير ، ومعنى هذا أنَّ العمل ليس جزءاً في مفهوم الإيمان .
قلنا في جوابه : المراد بالإيمان هنا مجرَّد التصديق تماماً كقوله تعالى حكاية عن أخوة يوسف : ( وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كُنَّا صادقين ) أمّا أكمل الإيمان فهو أن يعمل حامله بموجب إيمانه، ويؤثره على ميوله وأهوائه ويتجشم الصعاب من أجله لا لشيء إلاّ طاعة لأمر الله .
وصفوة القول إنّ الإيمان برنامج حياة كامل ، لا مجرد نية تُعقد بالقلب ، أو كلمة تقال باللِّسان بلا رصيد من العمل الايجابي المثمر .
ونخلص إلى القول بأنّ للإيمان مرتبتين ، تعني الأولى منهما : التصديق بقول « لا إله إلاّ الله محمد رسول الله » وهذا هو الحد الأدنى من الإيمان ، وهو الإيمان بمعناه الأعم الذي يصدق على كل من دخل في دين الإسلام مقراً بالله وبنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
فيما يراد بالمرتبة الثانية من الإيمان ما هو فوق التصديق من الإقرار باللسان والعمل بالأركان ، أي التزام مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها، من أداء الواجبات والعمل بالطاعات وتجنب المنكرات والشبهات ، وهذا هو الإيمان الممدوح في القرآن والسُنّة . وهذه المرتبة الأخيرة من الإيمان هي التي ستكون محل الاهتمام في هذا الكتاب ، دون المرتبة الأولى .
المبحث الثاني : حقيقة الإيمان :
إنَّ حقيقة الإيمان في هذا الوجود هي أكبر وأكرم الحقائق . لم تدركها النفوس عن طريق دائرة الحس الضيقة ، فليست هي بحقيقة مادية تُدرك بالحواس المعروفة ولكن هي حقيقة معنوية علوية تدركها القلوب السليمة، فتأخذ النفوس من أقطارها ، وتظهر ثمارها الطيبة نظافة في الشعور ورفعةً في الاَخلاق وإستقامة في السلوك .
تلك الحقيقة التي تتجسد في نفوس المؤمنين من خلال مظاهر عديدة، يمكن الاشارة إلى أبرزها اهتداءً بقبس من نور النبوة وحماة منهجها ، وهي :
أولاً : التسليم لله تعالى والرِّضا بقضائه :
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ لكلِّ شيء حقيقةً وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه » . فالمؤمن حقاً هو الواثق بالله تعالى وحكمته المستسلم لقضائه ، والمتقبل لما يجيء به قدر الله في اطمئنان أياً كان .
روى الصدوق رحمه الله بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لقي في بعض أسفاره ركب فقال : « ما أنتم ؟ قالوا : نحن مؤمنون ، قال : فما حقيقة إيمانكم ؟ قالوا: الرّضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله تعالى فقال : علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتّقوا الله الذي إليه ترجعون » .
فالرِّضا بقضاء الله والتسليم لأمره من أعلى مظاهر الإيمان وهما من أبرز الخصال التي يتصف بها الأنبياء ، ومن يتمسك بها يرتقي إلى قمة الهرم الإيماني ويكون قد حصل على لباب العلم وجوهر الحكمة .وفي هذا الصدد قيل لأبي عبدالله عليه السلام بأي شيء يعلم المؤمن أنّه مؤمن؟ قال عليه السلام : « بالتسليم لله والرِّضا بما ورد عليه من سرور أو سخط » .
ثانياً : الحب في الله والبغض في الله :
وهو من أبرز المظاهر العاطفية التي تعكس حقيقة الإيمان ، فحينما يؤثر الإنسان ـ على ما يحبه ويهواه ـ مايحبه الله تعالى ويرضاه ، وحينما يكون غضبه لله لا لمصلحته الخاصة ، فلا شك أنّ هذا الشعور العاطفي العالي يكون مصداقاً جلياً على عمق إيمانه ومصداقيته.
ولذا ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يجد العبد حقيقة الإيمان حتى يغضب لله ، ويرضى لله ، فإذا فعل ذلك فقد استحق حقيقة الإيمان » .
وعن الإمام الصادق عليه السلام : « لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يحب أبعد الخلق منه في الله ، ويبغض أقرب الخلق منه في الله » .
ثالثاً : التمسك المطلق بالحق :
يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « إنَّ من حقيقة الإيمان أن تؤثر الحقّ وإن ضرّك على الباطل وإن نفعك » . إنَّ ترجيح كفة الحق الضار على كفة الباطل النافع ما هي إلاّ مظهراً من مظاهر قوة الإيمان الراسخ في أعماق النفس المؤمنة .
رابعاً : حب أهل البيت عليهم السلام
هو أحد الحقائق الهامة التي تميز الإيمان الصادق عن الزائف ، عن زر بن حبيش قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر فسمعته يقول : « والذي فلق الحبة وبرء النسمة ، أنه لعهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلي أنه لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق » .
وعن جابر بن عبدالله بن حزام الأنصاري قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جماعة من الأنصار فقال لنا :« يا معشر الأنصار بوروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب فمن أحبه فاعلموا أنه لرشدة ومن أبغضه فاعلموا أنه لغية »
وعن أبي الزبير المكي قال : رأيت جابراً متوكئاً على عصاه وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم وهو يقول : « علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ، يا معاشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي فمن أبى فانظروا في شأن أُمه » .
وأورد الثعلبي في تفسيره ونقله عنه الزمخشري في الكشّاف ، والقرطبي المالكي في الجامع لاَحكام القرآن ، والفخر الرازي في التفسير الكبير قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « من مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزّف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السُنّة والجماعة . ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً على عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة » .
فالإمام علي عليه السلام وأهل بيته رمز الإيمان وعلامة الطهر وعليه فمن أحبهم فقد وجد في قلبه حقيقة الإيمان ، فهم مصابيح الدجى وأعلام الهدى من أحبهم ذاق طعم الإيمان قال أبو عبدالله عليه السلام : « إنّه لا يجد عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أنّ ما لآخرنا لأولنا » .
ولا يكفي الحب المجرّد بل لا بدَّ من الاتّباع وتحمل تبعات هذا الحب، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : « إنّا لا نعدُّ الرجل مؤمناً حتى يكون بجميع أمرنا متّبعاً مريداً » .
وعن الإمام الباقر عليه السلام : « لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال : حتى يكون الموت أحبّ إليه من الحياة ، والفقر أحبّ إليه من الغنى ، والمرض أحبّ إليه من الصحة . قلنا : ومن يكون كذا ؟! قال : كلّكم ! ثم قال : أيّما أحبُّ إلى أحدكم يموت في حبّنا أو يعيش في بغضنا ؟ فقلت : نموت والله في حبّكم ؟ قال : وكذلك الفقر... »
قلتُ : إي والله فالمقياس النبوي الدقيق لمعرفة حقيقة الإيمان إذن هو حب أهل البيت عليهم السلام والتزام طاعتهم ، والتبرّي من أعدائهم ، وقد عرفنا من خلال بعض ما مرَّ أنه المقياس السليم الذي يتم به الكشف عن حقيقة الإيمان الكامل .ويمكن تصوير الإيمان والكفر ـ بدليل ما تقدم ـ بميزان ذي كفتين : كفة بيضاء نقية تشتمل على حب أهل البيت عليهم السلام ؛ وهي كفة الإيمان الصادق ، وأخرى سوداء مظلمة من بغضهم عليهم السلام ؛ وهي ليس إلاّ الكفر والنفاق والمروق من الدين .
خامساً : التدبر والنظرة الواعية :
قد تظهر حقيقة إيمان الإنسان من خلال نظرته الفاحصة الواعية لمن حوله ، فحينما يرى الناس منهمكين في أعمار دنياهم وتخريب دينهم ، فيأثرون الفاني على الباقي ، يدرك ـ حينئذٍ ـ أنّ هؤلاء عقلاء في دنياهم حمقاء في دينهم . فهذه النظرة وذلك الإدراك يكشفان عن وصول الإنسان لحقيقة الإيمان الواعي .
ومن هنا قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر الغفاري رحمه الله : « يا أبا ذرّ لا تصيب حقيقة الإيمان حتى ترى الناس كلّهم حمقاء في دينهم ، عقلاء في دنياهم » .
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ما يشير إلى ذلك بقوله : « لن تكونوا مؤمنين حتى تعدّوا البلاء نعمة والرَّخاء مصيبة » .
ولا تكفي ـ بطبيعة الحال ـ النظرة الواعية في تحقق الإيمان الكامل بل لا بدَّ من موقف معاكس ومخالف لما عليه عامة الناس وهو إيثار الباقي على الفاني والعزوف عن الدنيا الفانية.. لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً حارثة.. فقال له : « كيف أصبحت يا حارثة ؟ فقال : أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقاً ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : إنَّ لكلِّ إيمان حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربي وقد قرب للحساب وكأني بأهل الجنة فيها يتراودون ، وأهل النار فيها يعذّبون . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنت مؤمن نور الله الإيمان في قلبك ، فاثبت ثبتك
سادسا : الإيمان يمنح البركة والقوّة :
الإيمان يدفع الأفراد نحو التقدم المطرَّد ، والسير إلى الأمام وعدم الانكفاء إلى الوراء ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كان غده شراً من يومه فهو ملعون ، ومن لم يتفقد النقصان من نفسه فهو في نقصان ، ومن كان في نقصان فالموت خيرٌ له » .
وعن علي بن الحسين عليه السلام قال : « بينما أمير المؤمنين ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب إذ أتاه شيخ عليه شحبة السفر.. فقال : إنّي أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير وقد سمعتُ فيك من الفضل ما لا أحصيه وإنّي أظنّك ستُغتال ! فعلمني ما علمّك الله قال : نعم يا شيخ من اعتدل يوماه فهو مغبون.. ومن كان في نقص فالموت خير له » .
إذن فالإيمان يُحفز أفراد المجتمع على التقدم نحو الأفضل ، والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم على النحو الأكمل . وعلى هذا الصعيد لا بدَّ من التنويه على أنّ التوجه المخلص لله تعالى تنعكس آثاره النافعة على الطبيعة التي يعيش فيها الإنسان فتجود ـ بإذن الله تعالى ـ بالخير والبركة الأمر الذي يساعد على زيادة القوة سواءاً كانت قوة إقتصادية أم اجتماعية وما إلى ذلك .
ومن الشواهد القرآنية على ذلك ما قاله النبي هود عليه السلام لاَبناء مجتمعه الذين أصابهم القحط والجدب بسبب كفرهم وإعراضهم عن الله تعالى : ( ويا قَومِ استغفِرُوا ربَّكُم ثمَّ تُوبُوا إليهِ يُرسِلِ السَّماءَ عَليكُم مِدراراً ويَزدكُم قُوّةً إلى قُوَّتِكُم ولا تَتولوا مُجرِمِينَ ) .
لقد بدا واضحاً أنّ هود عليه السلام قد أعلم قومه الكافرين بأنّ طريق الإيمان والهداية يؤدي إلى حصول الخير والبركة للمجتمع حيثُ ترسل السماء مطرها الغزير وتجود الاَرض بالخصب فتتضاعف القوة .
أما الاعراض على طريق الإيمان فسوف يُنذر بعواقب خطيرة تبرز مؤشراتها المأساوية بارتفاع البركات المؤدي إلى تدمير المجتمعات ، قال تعالى : ( وَضَرَبَ اللهُ مَثلاً قَريةً كانت آمِنَةً مُطمئنةً يأتِيها رِزقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مكانٍ فَكَفَرتْ بأنعُمِ اللهِ فأذاقَها اللهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوفِ بِما كانُوا يَصنَعُونَ * وَلَقَد جاءهُم رَسُولٌ مِنهُم فكذَّبُوهُ فأخذهُم العَذابُ وهُم ظَالِمُونَ ) .
وهكذا نجد أنّ الكفر عامل أساسي في تدمير المجتمع وفناءه .وقد دمّر الله تعالى الأمم الكافرة بمختلف ألوان وأشكال العذاب وكانت الطبيعة أداةً هامة في تنفيذ العقوبة الإلهية .
وقد خاطب تعالى الكافرين محذراً من الاغترار بدوام حالة الاَمن التي يعيشونها ، فإنّ من سُنته الإمهال قبل حلول النكال ، قال لهم بصيغة الاستفهام الإنكاري : ( أفأمنتُم أن يَخسِفَ بكُم جَانبَ البر أو يُرسِلَ عَليكُم حاصِبَاً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُم وكيلاً * أم أمنتُم أن يُعيدَكُم فِيه تارةً أُخرى فَيُرسِلَ عَليكُم قاصِفاً مِنَ الرِيحِ فَيُغرِقَكُم بِما كَفرتُم ثُمَّ لا تَجِدوا لكُم عَلينا بِهِ تَبِيعاً ) .
ومن يقرأ سورة هود يلاحظ أنها تستعرض سريعاً أوجه الدمار الذي حلَّ بالمجتمعات الكافرة ابتداءاً من قوم عاد إلى قوم فرعون . وتستخلص السورة من كلِّ ذلك عبرة قيّمة مفادها أنّ الظلم كان السبب وراء تدمير المجتمعات : (.. وَكَذلِكَ أخذُ رَبِكَ إذا أخَذَ القُرى وهِيَ ظَالِمةٌ إنَّ أخذَهُ أليمٌ شَدِيدٌ ) .
وهذا بخلاف الإيمان الذي تمتد بركاته وثماره لا إلى حياة المؤمن فحسب وإنما إلى أبنائه وأحفاده قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لأبي ذر : « يا أبا ذرّ إنَّ الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم » .
وصفوة القول إنّ الإيمان بمثابة السور الوقائي الذي يقي المجتمع من الدمار ويحقق له البركة والرفاهية ويمنحه القوة . أما الكفر وما يرافقه من الظلم فإنّه ينطوي على نتائج مأساوية كالدمار والبوار .